إرث كامل- قيم أصيلة واقتصاد عصري

المؤلف: عبداللطيف آل الشيخ09.14.2025
إرث كامل- قيم أصيلة واقتصاد عصري

في خضم التطورات المتسارعة التي يشهدها عالمنا اليوم، تظهر عائلات شامخة تنهض بدور حيوي في الحفاظ على القيم الأصيلة ونقلها عبر الأجيال المتعاقبة، محولة بذلك الإرث العائلي العريق إلى منطلق راسخ نحو التقدم والتميز المستمر. ومن بين هذه الأسر النبيلة، تبرز أسرة "كامل" السعودية، التي لطالما اقترن اسمها بالأعمال الخيرية والاقتصادية الملتزمة بأحكام الشريعة الإسلامية السمحة. ويُعتبر الشيخ عبدالله صالح كامل، الابن البار، امتداداً طبيعياً لمسيرة والده الراحل، الشيخ صالح كامل، الذي أسس إمبراطورية اقتصادية وإنسانية عظيمة، تركت بصمات واضحة وبناءة على مدى القرنين الماضيين.

وُلد الشيخ صالح بن عبدالله كامل (رحمه الله)، رائد الاقتصاد الإسلامي، في رحاب مكة المكرمة عام 1941، ليبدأ مسيرة حافلة بالإنجازات، مستنداً إلى رؤية مبتكرة تجمع بين تحقيق الأرباح وتطبيق تعاليم الدين الإسلامي الحنيف.

في عام 1969، أسس الشيخ صالح مجموعة "دلة البركة"، التي سرعان ما تبوأت مكانة مرموقة كإحدى أبرز الشركات الاستثمارية في العالم الإسلامي، مع تركيز خاص على الصيرفة الإسلامية، التي كان الشيخ صالح من بين روادها.

لم يكن عمله الاقتصادي مجرد نشاطاً تجارياً بحتاً، بل تجسيداً لرسالة سامية تهدف إلى تعزيز الاقتصاد الإسلامي القائم على مبادئ العدالة والشفافية والنزاهة.

وفي ميدان العمل الخيري والإنساني، أنشأ الشيخ صالح شبكة واسعة من المؤسسات الخيرية، من أبرزها "وقف البركة" و"مؤسسة صالح عبدالله كامل الإنسانية"، اللتين قدمتا دعماً سخياً للتعليم والصحة والفئات المحتاجة في عشرات الدول حول العالم. كما قام بتأسيس قناة "اقرأ" الفضائية عام 1998، لتكون أول قناة إسلامية تعليمية من نوعها، وملهمة لجيل كامل من الإعلاميين الذين يسعون إلى تقديم محتوى هادف وبناء.

الشيخ عبدالله صالح كامل: وريث الإرث وحامل الراية:

بعد رحيل الشيخ صالح كامل في عام 2020، تولى ابنه الشيخ عبدالله مسؤولية قيادة المجموعة والمؤسسات الخيرية، ساعياً بكل جد وإخلاص للحفاظ على جوهر رؤية والده، مع إضفاء لمسة تجديدية تواكب متطلبات العصر الحديث.

نشأ الشيخ عبدالله في بيئة فريدة من نوعها، تجمع بين عالم الاقتصاد والقيم الأصيلة، فتشرب مبادئ المسؤولية الاجتماعية منذ نعومة أظفاره، مما جعله على أهبة الاستعداد لتحمل الأمانة الثقيلة.

استمر الشيخ عبدالله في إدارة مجموعة "دلة البركة"، وعمل على توسيع نطاق استثماراتها في قطاعات واعدة، مثل السياحة الإسلامية، والتكنولوجيا المالية المبتكرة المعروفة بـ (فينتك)، والطاقة المتجددة النظيفة، مع الالتزام الكامل بأحكام الشريعة الإسلامية الغراء.

أطلق الشيخ عبدالله العديد من المشاريع الرائدة، من بينها منصات التمويل الإسلامي الرقمي، التي تجمع بين أحدث التقنيات والالتزام الدقيق بأحكام الشريعة السمحة. كما عزز التعاون مع مؤسسات عالمية مرموقة بهدف تعزيز مكانة الصيرفة الإسلامية على الصعيد الدولي، مستفيداً من شبكة العلاقات الواسعة التي بناها والده على مدى سنوات طويلة.

وفي مجال العمل الخيري والإنساني، لم يكتف الشيخ عبدالله بتكرار نموذج والده، بل عمل على تطوير آليات العطاء، فقام بدمج الوقف التقليدي مع الاستثمار الاجتماعي، من خلال إنشاء صندوق "وقف البركة للاستثمارات التنموية"، الذي يهدف إلى تمويل مشاريع تعليمية وصحية مستدامة، تدر عوائد يتم إعادة استثمارها في مشاريع جديدة، مما يحقق استدامة مالية للعمل الخيري.

كما وسع نطاق عمل المؤسسة الخيرية ليشمل دعم الابتكار في المجالات الإنسانية المختلفة، مثل استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة في إدارة الكوارث والأزمات.

إدراكاً منه لأهمية الإعلام في تشكيل الوعي العام، حافظ الشيخ عبدالله على دعم قناة "اقرأ"، وعمل على تطوير محتواها ليواكب تطلعات الشباب، من خلال تقديم برامج متنوعة عبر منصات رقمية حديثة. كما أطلق مبادرات مبتكرة، مثل "منصة كامل للمعارف الإسلامية"، التي تقدم محتوى تفاعلياً بلغات متعددة، بالإضافة إلى اهتمامه بترميم الآثار الإسلامية، استمراراً لنهج والده في الحفاظ على تراث الأمة الإسلامية.

واجه الشيخ عبدالله تحديات جمة في قيادة إرث ضخم كهذا، كان أبرزها تحقيق التوازن الدقيق بين التقاليد العريقة والحداثة المتجددة.

ففي ظل التحولات التكنولوجية والاقتصادية المتسارعة التي يشهدها العالم، حرص الشيخ عبدالله على ألا تطغى الابتكارات الحديثة على الهوية الإسلامية الأصيلة للمجموعة.

كما واجه ضغوطاً كبيرة لتحويل المؤسسات الخيرية إلى كيانات ربحية بحتة، لكنه ظل متمسكاً بروح العطاء والإيثار التي غرسها والده في نفوس الجميع.

تمثل مسيرة الشيخ عبدالله صالح كامل نموذجاً ملهماً لاستمرارية الإرث العائلي المبارك، حيث تُظهر أن الوفاء لرؤية الآباء لا يعني الجمود والتقليد الأعمى، بل الإضافة عليها بوعي وإدراك لمستجدات العصر.

فكما بنى الشيخ صالح كامل مجداً اقتصادياً وإنسانياً، واصل ابنه الشيخ عبدالله البناء بحكمة ورؤية ثاقبة، جاعلاً من اسم "كامل" رمزاً للجمع بين الأصالة والمعاصرة، ومُثبتاً أن الإرث الناجح ليس عبئاً ثقيلاً، بل دافعاً قوياً للإبداع والابتكار.

وبقيادة الشيخ عبدالله صالح كامل، تحمل الأجيال القادمة مشعل عائلة نبيلة، جعلت من العطاء والاقتصاد وسيلتين لتكريس القيم الإسلامية السامية في عالم دائم التغير والتبدل.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة